1. مبدأ كارتر

    في 20 يناير 1980م ورداً على العدوان السوفييتي على أفغانستان ألقى الرئيس كارتر خطاباً مهماً للشعب الأمريكي قال فيه:
    ''إن أية محاولة من جانب أية قوة أجنبية للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي سوف تعتبر بمثابة عدوان على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، ولسوف يقابل مثل هذا العدوان بكافة الوسائل الضرورية بما في ذلك القوة العسكرية''.
    هذا الإعلان الذي أطلق عليه المحللون "مبدأ كارتر" هو الترجمة العملية والواضحة للخطط الأمريكية السابقة، وعليه جرى تشكيل القوة من فيلق مستقل وقوات أخرى منتقاة من فروع القوات الأمريكية المختلفة.
  2. الحملة الغربية الأولى على المنطقة

    ومع أنه لا يهمنا كثيراً تشكيلات هذه القوة فسوف أذكر بعضه لنتذكر جميعاً أنها هي التي سمعنا الأنباء عن وصولها في الأيام الأولى من الحملة الغربية على المنطقة :
    أ- الفرقة 82 المنقولة جواً وتُعدُّ 15.200 فرد، ويحتاج نقلها من "فورت براغ " إلى السعودية -كما قدروا- 11 يوماً لتصل الدفعة الأولى "2000 جندي" من المظليين خلال 24ساعة.
    ب- الفرقة 101 المنقولة جواً، وتُعدُّ 17.900 فرد، ومقرها فورت كامبل بولاية كنتاكي.
    ج- فرقتان بحريتان يتألف كل منها من 20.000 فرداً تقريباً.
    د- الفرقة 24 مشاة "ميكانيكي".
    هـ- الفرقة 9 مشاة.
    و- اللواء المدرع 194.
    ز- اللواء 6 فرسان.
    ح- كتيبتا كوماندوز.
    ط- قوة مشاة برمائية.
    ويبلغ مجموع التشكيلات حوالي 200,000فرد بالإضافة إلى 100,000فرد احتياطي، ونسبة النساء لا تقل عن (10%) أي 30,000امرأة.
    وقد خصص لهذه القوات عدد هائل من الطائرات يتراوح ما بين 600-1000 طائرة، هذا عدا القطع البحرية الكثيفة التي تتفاوت ما بين حاملات الطائرات الضخمة إلى الزوارق السريعة.
    -وهنا نتوقف لنذكر أصحاب السماحة والفضيلة بأن هذه القوات بعينها هي التي جاءت إلى المملكة وبالعدد نفسه حيث المقرر اكتمال وصولها للمملكة في 15 أكتوبر الموافق 26 ربيع الأول وقد تستغرق حوالي شهر تقريباً لتعزيزها، ولهذا أعلنوا أن المواجهة -إن كانت- ستكون في منتصف نوفمبر، أي: نهاية شهر ربيع الثاني تقريباً!!.
  3. موقف الدول والصحف من قوة التدخل السريع

    1002600وقد ظل الحديث عن قوة التدخل السريع هو الشغل الشاغل للصحافة الخليجية خاصة في أواخر عام 1979م- 1399هـ، وشاركت في ذلك الصحف السعودية وبعض الصحف الإسلامية أيضاً، وعلى المستوى الرسمي عبرت بعض الدول عن رفضها للفكرة بصراحة في حين اكتفى بعضها بالتلميح.
    - ولعل أكثر حكومة رفضت ذلك صراحة هي الكويت ثم العراق، وقد كان لشجب الكويت صداه في الصحافة السعودية، فقد علقت جريدة الندوة على ذلك قائلة: ''إن الرفض الكويتي للتهديدات الأمريكية باستخدام القوة في منطقة الخليج ليس تعبيراً عن موقف الكويت فحسب؛ بل عن موقف العرب كلهم، وقالت: إن الأمة العربية على استعداد لمواجهة هذه التهديدات واحتمالاتها المختلفة بكل ما أُوتيت من قوة، وقالت: إن الحديث المكرر عن المصالح الحيوية في منطقة منطقة الخليج -وهو تعبير أمريكا- تذكير بقانون الغاب الذي كنا نظن أن العالم قد نسيه وطواه إلى الأبد.
    أما العراق فقد حذر صدام حسين -الذي كان نائباً للرئيس حينئذٍ- من أن أي شروع في محاولة للاعتداء على أي بلد عربي أو بترول من شأنها أن تشعل النار في بترول المنطقة وتحرق في المقام الأول المعتدين أنفسهم''!
    وقد أعقب ذلك فتور في العلاقة بين المملكة العربية وأمريكا خاصة وأنه جاء عقب تحفظ المملكة على اتفاقية (كامب ديفيد) وقطع علاقاتها مع مصر.
    - وقد اهتمت أمريكا كثيراً بردود الفعل العربية الواقعة والمحتملة، وأهم المخاوف كانت كما عبّر جون كولينن الذي أعد دراسة كاملة عن قوات التدخل هي أن ''قوة عراقية مشكلة من عشر فرق ومدعومة بأسراب من المقاتلات يمكن أن تمثل تحدياً لهذه القوات الأمريكية في حال تدخلها''.
    -ولعل من دواعي السخرية المرة: أن الصحافة الكويتية -القومية خاصة- عبّرت كثيراً عن اعتزازها بالقوة العراقية التي يخافها الأمريكان!! "تماماً كما فعلت هي والصحافة السعودية عندما أعلن صدام أنه سيحرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج".
    - أما الصحافة الأمريكية والغربية فقد أخذت القضية من جوانب عدة، لعل أبرزها ما يتعلق بخطط التنفيذ وكيفيته، فقد شرعت في نشر كثير مما يسمى "سيناريوهات" التدخل منذ بداية الفكرة وقبل إعلان كارتر لمبدئه، أي: عقب حظر النفط مباشرة، من ذلك ما نشرته صحيفة صاندي تايمز في عددها الصادر في 9/2/1975م وفيه :
    ''أنجز مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة دراسة تفصيلية لخطة سرية للغاية وضعتها وزارة الدفاع لغزو حقول النفط السعودية في حال نشوب حرب أخرى في الشرق الأوسط ينجم عنها حظر نفطي عربي جديد، وقالت: إن هذه الخطة واسمها بالشيفرة -الظهران الخيار الرابع- قد وضعها البنتاغون لهجوم أمريكي على حقل الغوار النفطي الذي يحوي (40%) من احتياطي العالم المعروف من النفط وتقود هذا الهجوم تسع كتائب مشاة محمولة جواً من قاعدتها في ولاية نورث كارولينا وبحماية جوية إلى الظهران في الخليج عن طريق القاعدة الجوية الإسرائيلية في "حتسريم" وتستولي كتائب المشاة على حقل النفط في الظهران حيث تعمد إلى إجلاء الرعايا الأمريكيين، ومن ثَم تتابع سيرها إلى الداخل حتى حقل الغوار بعد أن تستولي على أرصفة الموانئ ومستودعات التخزين في رأس تنورة، وبعد ذلك بثلاثة أيام تتبعها فرقة مشاة بحرية قوامها 14.000 رجل يتم إرسالهم إلى الخليج بطريق البحر'' النفط العربي والتهديدات الأمريكية بالتدخل 1973- 1979م مروان بحيري ط:1980.
    -وقد تحدثت هذه الخطط عن خلو المنطقة من السكان وخلوها من الأشجار "أي: بعكس فيتنام" ونحو ذلك من العوامل المشجعة على التنفيذ الضامنة للبقاء، وفي الوقت نفسه تحدثت عن العوامل المضادة التي يمكن تلخيصها بأنها فنية وتقنية بالدرجة الأولى، وقد تكون تخريباً للمنشآت تقوم به القوات السعودية.
    -وفي شهر مارس 1976م -أي قبل 15سنة إلا قليلاً- نشرت جريدة الأنباء الكويتية ترجمة لمقال نشر في إحدى المجلات الأمريكية، عنوان الترجمة (خطة أمريكية لاحتلال السعودية وتسليم إيران للسوفييت).
    ابتدأ المقال بتأكيد أنه: ليس أمام الحكومة الأمريكية إلا خياران:
    إما الانهيار الاقتصادي، وإما الاستيلاء على المملكة العربية السعودية ثم قال:
    ''لا تضحكوا فلدى البنتاغون خطة جاهزة لتنفيذ هذه الفكرة التي كانت موضع بحث وتمحيص بين عدد من الخبراء الاقتصاديين والمتخصصين في شئون الشرق الأوسط داخل الحكومة وخارجها بصورة جدية ومفتوحة لكن لم لا؟ ليست هذه مجرد فكرة جيدة، بل إنها ضرورة مطلقة بالنسبة للولايات المتحدة ولباقي بلدان العالم غير العربية إذا أرادت استعادة التحكم بحياتها الخاصة.
    ففي الشرق الأوسط يقطن (10%) من مجموع سكان العالم، بينما تحتوي أراضيه على (75%) من الاحتياطي العالمي للنفط ولا بد من تصحيح هذا الخطأ.
    لن يتأتى هذا التصحيح إلا عن طريق استخدام القوة، فلم نسمع حتى الآن أن أي عربي تخلَّى عن بئر نفطية عن طيب خاطر، والولايات المتحدة هي الوحيدة التي تملك قوة تمكنها من تحقيق هذه الخطوة، وعليه فإن الاستيلاء على المملكة العربية السعودية لن يكون مشكلة، ويمضي المقال في الحديث عن إرضاء السوفييت بإعطائهم إيران، ويعدِّد المكاسب الكبرى للاحتلال الذي سيغيّر اسم البلاد إلى "الولايات المتحدة السعودية" كما قال، وأفاض في الحديث عن بذخ شيوخ النفط وإسرافهم مع الفقر المدقع لشعوبهم وشعوب العالم الثالث، ويمضي المقال متهكماً:
    ''لو استولينا على السعودية وأعطينا كل واحد من سكانها -8 ملايين نسمة- مساحة قدرها 40 فداناً من الرمال وجملاً، وألفي دولار في العام أي ما مجموعه 16 مليار دولار في السنة لأحبَّنا بما فيه الكفاية''.
    ثم يقول:
    ''بعد الاستيلاء على السعودية ستبدأ محاكمات مجرمي الحرب، وسنطبق قوانين العقوبات التقليدية في البلاد، أن السارق تقطع يده، والقاتل يُقتل، ولا شك أنه ما من شيخ سيفلت من هذه العقوبة أو تلك، وسيحاكم معهم مساعدوهم من مديري شركة النفط العربية السعودية...''.
    ''إن إقتصادنا وسياستنا الخارجية ومستقبلنا أصبحت جميعها مرهونة بـجدة وليس بـواشنطن، لكن الاستيلاء على السعودية سيغيّر هذا الوضع كلياً.
    وأخيراً ستتاح لنا فرصة الذهاب إلى الحرب بأهداف ثابتة.
    وإذا كنّا قد أزهقنا أرواح 50 ألف نسمة لضمان أمن "فان خيو" و"كاوكي" في فيتنام، فبوسعنا خوض حرب آمنة من أجل أنفسنا!! ''
    وصدق الله العظيم القائل: ((قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ))[آل عمران:118].
    ولعل مما يجدر ذكره أن بعض هذه الخطط اقترح احتلال ليبيا بدلاً من السعودية، ومما يدل على أن هذه القضية وُضعت موضع الجد أن الولايات المتحدة عرضت الفكرة على دول أوروبية كثيرة، وكذلك اليابان وبعض الدول التي يهمها شأن النفط، وذلك بغرض تكوين رأي عالمي موحد ومشاركة عالمية ولو رمزية لتكون غطاءً للاحتلال الأمريكي.
    وقد صدرت بهذا الشأن وثيقة في غاية الأهمية هي عبارة عن تقرير شارك في إعداده أربعة من أكبر معاهد الدراسات التي تتمتع بسمعة عالمية كبيرة وهي: المعهد الملكي للشئون العالمية في لندن، والمجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، والمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، ومعهد الأبحاث الألماني للسياسة الخارجية، وهذه المعاهد الأربعة معاهد جادة، والدراسات التي تقوم بها تتحول عادة وتصبح الخط العام لسياسة دولها، وفي بعض الأحيان تقوم بدراسات بتكليف من حكوماتها مباشرة.
    تتحدث المعاهد الأربعة في تقريرها عن قوة الانتشار السريع وأمن الخليج وضرورة حماية منابع النفط، والتدخل في القلاقل الداخلية في دول العالم الثالث من خلال منظور العلاقات الأمريكية السوفيتية والأمريكية الأوروبية، وتوصي بوجود قوة أمريكية في الخليج بدعم من أوروبا واليابان... [القبس العدد (3175) في 16/3/1981م].
    والتقرير نشرته صحيفة القبس الكويتية في أعداد متوالية من تاريخ 16-26/3/1981م، ونشره في السنة نفسها مركز دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة وإذا ما تابعنا الخطوط الأمريكية فإننا سنجد أنه إضافةً إلى استمرار قوة التدخل السريع في تطوير قدراتها وإجرائها تدريبات عالية في مناطق مماثلة تقريباً لأجواء الخليج، والاستعداد المستمر بما في ذلك تعليم اللغة العربية بلهجاتها المحلية، لم تغفل السياسة الأمريكية الجوانب الأخرى الموازية أو المكملة للخطة ومنها:
    إيجاد قوة إقليمية موالية تقوم بدور الوجود الأمريكي المباشر مع تلافي سلبيات هذا الوجود، وهو ما يعني الاستمرار في سياسة العمودين المتساندين مع وضع بديل لـإيران، وهذا ما اقترحه الرئيس نيكسون بعد سقوط الشاه مباشرة؛ حيث يقول: ''السؤال الذي يدور في خلد كل إنسان الآن هو: ترى من سيحل محل إيران؟''.
    ويجيب: ''يُعتبر العراق -الراديكالي حالياً- أقوى قوة عسكرية في منطقة الخليج، فقوته العسكرية تعتبر كاسحة على الصعيد الإقليمي، فهو يمتلك أربع فرق مدرعة، وفرقتين ميكانيكيتين بثلاثة آلاف دبابة سوفيتية وفرنسية وعربات مصفحة، بالإضافة إلى أربع فرق مشاة، وهكذا وبدون دعم سوفيتي يمكن للعراقيين أن يتحركوا بقوة إلى أي مكان يقررون التحرك إليه سواء كان في الكويت أو في العربية السعودية أو إيران''
    وبعد أن يشير إلى الخلافات الحدودية والمطالبة بـالكويت يرجع فيقول: ''إن الأغلبية العظمى من خزانات النفط الخام في الخليج العربي تقع على بعد بضع مئات الأميال عن الحدود العراقية في المناطق القريبة من إيران والكويت والعربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والفائدة التي يحققها العراق لقاء أي تحرك ناجح إلى أيٍّ أو إلى جميع تلك المناطق سيكون تحويلاً هائلاً للموجودات.
    ويقوم العراق اليوم بصفقة عراقية مقررة تهدف إلى السيطرة السياسية في منطقة الخليج، وعلى الرغم من أن نظام الحكم اليساري فيه كان مناوئاً لـأمريكا فهو لا يريد رؤية الهيمنة السوفيتية على الخليج قائمة، ولذا فقد يرغب في تعديل موقفه السابق نحو اتخاذ موقف أكثر اعتدالاً، ومن هنا يمكننا القول بأننا على صواب حين نسعى نحو تحسين العلاقات مع العراق'' المذكرات ص: 117- 118 ].
    وهذا ما حدث فعلاً؛ فقد اقتضت الخطة الأمريكية بعد سقوط "الشاه" تدمير قوة إيران العسكرية، وبذلت أمريكا جهوداً ضخمة على جميع المستويات لكي لا تقع ترسانة الأسلحة الضخمة التي كدسها الشاه في أيدي أعداء حقيقيين لـأمريكا، ومن ذلك العمل على تحديد الجيش الإيراني، واستدعاء الخبراء العسكريين والفنيين الأمريكيين الذين تقول بعض التقديرات إنهم كانوا يزيدون على ثمانين ألفاً، ومنع قطع الغيار؛ بل ومحاصرة إيران اقتصادياً وحمل دول الأطلسي على ذلك، وتجميد الأرصدة الإيرانية في البنوك الأمريكية، وأخيراً -وكما تدل وثائق كثيرة ومؤشرات واقعية لا مجال لعرضها الآن- دفعت العراق إلى الحرب معها أو على الأقل ساعدت في تهيئة ذلك.
    وكان طبيعياً أن تقوم دول الخليج بمساندة العراق لأسباب كثيرة منها: تحديات قادة الثورة الرافضية بتصدير الثورة. ومنها: الدوافع القومية والوطنية. ومنها: تشجيع الغرب والولايات المتحدة خاصة -لذلك- التخوف من قيام تحالف إيراني سوري يشمل رافضة لبنان ومنظمة التحرير!! مما قد يشكل خطراً -ولو جزئياً- على إسرائيل أيضاً.
  4. بعض أساليب وتداعيات الحرب

    وهناك أسباب أخرى لهذه الحرب لا ينبغي إغفالها منها: حرص شركات السلاح الغربية على استنزاف الثروة الهائلة لهذه المنطقة، وحرص الغرب عموماً شرقه وغربه على تعويق التنمية فيها وبقائها منطقة اشتعال وميداناً للتنافس الضاري.
    وفي كتابه المهم الذي أصدره نيكسون قُبيل توقف الحرب العراقية الإيرانية وهو: 1999 نصر بلا حرب
    يقول:
    "إذا كانت هناك حرب يستحق كل من طرفيها أن يخسرها فهي الحرب العراقية الإيرانية، وإذا كانت هناك حرب لا يمكن فيها أن تجازف الولايات المتحدة بأن يخسرها أي من الطرفين فهي الحرب العراقية الإيرانية'' (ص:32).
    والواقع أن الغرب لم يضع العراق بديلاً لـإيران في مهمته "شرطي الخليج" وملء الفراغ الأمني، وإنما أراد استمرار توازن القوى في طريق الانحدار إلى أن تنهار الجبهتان كليهما -إيران من جهة، والعراق ودولالخليج من جهة أخرى-.
    وبذلك يحدث "الفراغ الأمني الكبير" الذي هو ستار الغرب للسيطرة المباشرة على المنطقة بأي شكل كان (ومن ثمرات ذلك بالنسبة لإسرائيل إحلال تحالف سوري إسرائيلي بمباركة أمريكا محل التحالف الإيراني السوري، وإمكانية قيام إسرائيل الكبرى وسورية الكبرى على أنقاض العراق والأردن ولبنان!!).
    ومن هنا نرى بوضوح استمرار الحرب العراقية الإيرانية مدة الخلافات والمفاوضات بين روسيا وأمريكا ثم توقفها المفاجئ عند وصولهما إلى الخطة المبدئية للوفاق الدولي والنظام العالمي الجديد الذي يريدان تعميمه على العالم كله وخاصة على منطقة الخليج.
    إن أحداث المنطقة هي كما يعبرون "الانعكاس الواضح" للعلاقات بين العمالقة الدوليين، وقد كان العالم منذ الحرب العالمية الثانية يتنازعه القطبان المتنافسان "أمريكا وروسيا" ولكن العقد الماضي شهد سباقاً عاجلاً بين فكرتين نقيضتين: الأولى:
    تعددية الأقطاب، وهو ما تسعى إليه فرنسا واليابان وألمانيا والصين وكوريا والهند، وأهم جبهاته بالطبع هي فرنسا التي تمردت على الحلف "الناتو" منذ أيام ديجول، والتي ترفض الدخول تحت المظلة الأمريكية، وتريد أن تتزعم أوروبا من جهة، وتسيطر على أكبر قدر ممكن من العالم الثالث من جهة أخرى.
    والأخرى: هي فكرة القطب الواحد، وهو ما تريده أمريكا الساعية دوماً إلى التفرد بزعامة العالم.
    وهذا ما سنرجع إلى الحديث عنه قريباً -إن شاء الله- والمقصود هنا هو أن فرنسا خاصة كان لها دور واضح في المنطقة مع الخميني أولاً، ثم في تبني العراق ومساندته ثانياً، وكانت روسيا تطمع في أن تجعل إيران "أفغانستان الثانية".
    وخاصة أن حزب توده احتفظ بوضع ثابت خلال الثورة وبعدها وهو ما استعصى فهمه على كثيرين!!.. والمهم الآن: أن هذه العوامل وغيرها "ومنها فشل محاولة استنقاذ الرهائن عسكرياً" جعلت أمريكا تضع خطة بعيدة المدى تقوم أولاً على التفاهم بين المتنافسين على الفريسة ثم الهجوم عليها فيما بعد، وتوارت عن الأنظار -إلى حد ما- فكرة التدخل المباشر، وظهر ذلك جلياً في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 1984م؛ حيث تنافس الطرفان في التعهد بعدم إرسال قوة أمريكية للقتال في الخليج!! (انظر: كتاب 1999 نصر بلا حرب (ص: 133).
    ومع ذلك فإن أمريكا كانت تستغل كل حدث في المنطقة من شأنه أن يزيد وجودها العسكري، أو يتيح لها نوعاً من التدخل المباشر مثل قضية الرهائن، وقضية الألغام، وطلب الكويت الحماية الأمريكية برفع العلم الأمريكي على ناقلاتها... والزيارات "كما يسميها الأمريكان" التي تقوم بها بوارجهم وطائراتهم للمنطقة بين حين وآخر!!..
    والخطة البعيدة المدى يمكن إيجازها في "وضع نظام أمني للمنطقة يجعلها تابعة أو جزءاً من حلف الأطلسي" حيث يمكن الجمع بين وجود قوة إقليمية تشارك في الدفاع والنفقات وتخفف من وطأة ما يمكن أن يسمى الاحتلال من جهة وبين الدور القيادي المباشر والمتحكم للولايات المتحدة وهذا هو موضوع الفقرتين التاليتين: